الجزء الأول

هناك أفكار مكررة لكنها ليست سيئة يقيناً ومجربة فخذ منها ما شئت ودع مالايروقك أو لا يناسبك:

قد تستطيع تقديم دورات تعليم لغة أنت متقنها (انجليزي عربي ايطالي يوناني ولاتيني...الجودة بالموجودة) أو أنك حرفي شاطر فتعمل كورس لتعليم الشباب فنا أو مهارات أو تاجر شاطر فتأخذ تذكارات بسيطة أو منتجات تجود في بلدك ويبحث عنها المغتربون أو غيرهم أو حتى أعمال فنية وتقوم ببيعها في بلد تزوره (قابلت سائحا باكستانيا في الغردقة بمصر كان مهندس كمپيوتر وباعني لوحة بديعة من الألومنيوم الملون هو من نفذها بالجرافيك، وعرفت أنه يمول رحلاته هكذا ويتعرف من خلال تجارته الجائلة بناس جدد ومنها دعوة كذلك بأخلاقه ومعاملته وعلى سيرة الدعوة عرفت أناس يسافرون في رمضان ويجيدون قراءة القرآن فقد يؤمون الصلاة في بعض المساجد أو يتلون كلام الله في بيوته أويعلمون لغة أو فقها مما لديهم من علم شرعي, وعلى الصعيد الآخر قد تكون موسيقيا ماهراً في العزف أو صوتك عذبا للدرجة التي تسمح لك بتقديم شئ من فنك في البيوت الثقافية أو معارض فنية أو حتى في محطات المترو في بعض الدول التي قد تسمح بهذا, وعرفت شابا مغربيا كان ماهرا في استخدام ماكينة قص الشعر وقام بهذا بانتظام في مدينة تعج بالطلبة "مونستر Münster" كل جمعة بعد الصلاة لكل من أراد من الشباب القص والحلاقة بخمسة يوروهات أي نصف ما كنا ندفعه آنذاك في الصالونات العربية وثلث ما كنا ندفعه لدى الألمان, لكن للأمانة ليست كل الدول متاح فيها هذا بسبب الضبط والربط وتصريح العمل غير متاح لمن دخل بتأشيرة سائح لذا وجب الحذر والأخذ بما يناسب كما قلت

أما فكرة الأوپير Au-Pair والتي لا أميل لترشيحها لفتياتنا المشرقيات لأسباب پسيكولوجية وثقافية وشرعية لكن على مايبدو أن بعض الفتيات يقبلن القيام بها في بعض البلاد بحجة اكتساب اللغة أو الثقافة لمكان ما لكني أزعم أن بها كثير من المهانة للفتيات الشرقيات اللائي اعتدن ألا يساعدن أمهاتهن في المنزل من البداية أصلاُ ثم تصير بين يوم وليلة فتاة لكل شيء Ein Mädchen für alles وفق التعبير الألماني تنظيف وغسيل ومكواة لأغراب وأطفالهن وعجائزهن نظير أكلة ونومة ومائتي يورو فتخيل شابة غضة لم تنضج بعد ستنكسر نفسيا وقد تنسحق حضاريا أو حتى يساء معاملتها وتتعرض لمضايقات في بلد لا تتمكن من لغته ولا تعرف قوانينه وقد تقبل بما لن تقبل به في بيئتها الثقافية الأصلية!

ومن أفضل الأفكار التي لم أطبقها بعد -لكنها على الجدول- رأيتها في صديق ألماني ورئيسي في العمل, أيام كان مبرمجا مستقلا Freelancer استقر ثلاثة أعوام ونصف في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس حيث استأجر شقة بثمن أقل مما كان سيفعل في بلده ألمانيا واستقبل كل مهام شغله وسلمها عن طريق الإنترنت ومن خلاله مول تكاليف معيشته بالأرجنتين ورحلاته بالعالم الجديد وتعلم الكثير والكثير في الحياة أقلها إجادته للإسبانية بجانب ألمانيته وانجليزيته وزار أغلب الأمريكتين حتى جزر جالاباجوس التابعة للإكوادور وكان يعمل بواقع عام ونصف كاملة بلا انقطاع ثم نصف عام أجازة وفي هذه الستة أشهر بعد كل عام ونصف يجوب البلاد طولها وعرضها ووفر ثمن ايجاره وانترنته في بوينس آيرس ليضع مازاد عن رحلته في مخزن زهيد وحين يعود عاد لنفس الشقة أو أفضل منها إن وجد بحسب الأحوال وهذا في رأيي أفضل تمثيل لنموذج النورس القطبي Küstenseeschwalbe/Arctic tern الذي تحدثت عنه بالمقال السابق أما دكر البط الدمياطي قد يرى في هذا تضييع وقت واهدار مال وكأنه لم يسرق من عمره أربعة أعوام لا ثلاث في كلية نظرية لن يستخدم كل ما حشره في رأسه فيها في حياته العملية وأضف عليها عام أو ثلاثة بلا أي طائل سرقت من عمره بالسخرة نسى فيها ما تعلمه بالكلية ولن أفسر أكثر فأنت حصيف وتعي ما أقصد!

ثم من قال لك يا عزيزي أن في الأسفار لن تنفق مما تحب من مال ووقت وتبذل جهد وعرق؟! لكنك يقينا ستحصد نظير هذا كثير من مهارات ومعارف لم تكن ببالغها حتى ولو درست في جامعة هارفارد Harvard وييل Yale وMTI مجتمعة

إن كنت من سعيدي الحظ ودرست في مثل تلك الجامعات الراقية فستجد شيوع هذا الأمر بين زملائك النوارس خاصة في السنة النهائية مباشرة -وقبل أن تربط عنقك في ساقية الوظيفة لتجري كما يفعل هامستر نشيط في اسطوانته الدوارة مضيئاً للآخرين حياتهم بكهرباء مولدة من تعب ساقيه- لتكون أحد هذ النوارس التي تجوب البلاد طولا وعرضاً إن كنت فعلا محبا للسفر على الأقل لتحسين سيرتك الذاتية المقدمة للعمل فيما بعد.

عزيزي النورس كلنا يميل بالسليقة لتعظيم المنفعة Utility maxmalization بمعنى الحصول على أكبر قيمة ممكنة نظير أقل تكلفة ممكنة أو للتبسيط أكبر قدر من النفع أو اللذة أمام كل سنت يتم انفاقه (سواء عرق أومال أو وقت) لذا أحاول أن أرسي معك بعض المفاهيم والقواعد التي ستيسرعليك كثير من الأعباء وتوفر من تكاليف السفر