🇮🇶 بلاد السندباد ولص بغداد والشاطر حسن بن الهيثم

نستطيع بالضرورة رد مدينة بغداد لمدائن كسرى الفرس -والتي صلى في إيوانها سعد بن أبي وقاص خال النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفتح عند دخول العرب- والتي ورثها الفرس قبلهم عن أعدائهم الإغريق مدينة قطيسفون Κτησιφῶν، وكلاً من الفرس والإغريق اختاروا هذا المكان ولا شك كامتداد لمدينة بابل (الحِلّة في يومنا هذا) والتي أسسها حمورابي بحدائقها المعلقة وزقوراتها Zikurrat أو برج بابل...

لبغداد عدة نظريات تفسر أصل الاسم واشتقاقه منها "به خداد" (لله أو منحة الله) وتحرف النطق لبغداد فالاسم فارسي الأصل -ولا يعيبها ذلك- فلقد تعرب حتى صيغ منه فعل "تبغدد" بمعنى تعزز نسبة لعز أهلها ومن عاش في بغداد هارون الرشيد والمنصور والمأمون والمعتصم وامرأة متبغددة أي مترفعة نسبة لرفعة شأن نساء بغداد على من جاورهن مهراً ومكانة عند من يطلبهن للزواج 1962 أصدر البريد العراقي طابع بمناسبة ألفية المدينة التي أسسها أبو جعفر المنصور لتكون عاصمة الخلافة العباسية ولحقتها أختها القاهرة بالاحتفال بألفيتها عام 1969 والتي أسسها المعز لدين الله لتكون عاصمة الخلافة الفاطمية لمئتي عام 969-1071 ثم عاصمة الخلافة العباسية الثالثة من 1260 وحتى 1517 لكن هل هما مدينتان ألفيتان كما دأبنا القول وأقيمت الاحتفالات؟! في الواقع هما مدينتان ذواتا جذور أقدم وأعمق بكثير، ولفهم شخصية المدينة والتعرف على أهلها عليك بالأخذ بكل الجوانب الحضارية والعصور التاريخية المختلفة التي مرت بها تماما كتحليل الطبقات الجيولوجية لا يكفي انتقاء طبقة او اثنتين لدراسة أرض ما أو مدينة. فما بالك ببغداد والتي هي ثان أكبر مدينة عربية متوسطة بسكانها الثمانية ملايين بين القاهرة الأولى بملايينها الواحد وعشرين والاسكندرية بملايينها الستة… فكما يمكننا رد القاهرة للقطائع الطولونية 868 ولعسكر صالح بن علي ولفسطاط عمرو بن العاص 640 م وصولاً لهليوپوليس 4425 ق.م. نستطيع بالضرورة رد مدينة بغداد لمدائن كسرى الفرس -والتي صلى في إيوانها سعد بن أبي وقاص خال النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفتح عند دخول العرب- والتي ورثها الفرس قبلهم عن أعدائهم الإغريق مدينة قطيسفون Κτησιφῶν، وكلاً من الفرس والإغريق اختاروا هذا المكان ولا شك كامتداد لمدينة بابل (الحِلّة في يومنا هذا) والتي أسسها حمورابي بحدائقها المعلقة وزقوراتها Zikurrat أو برج بابل والذي تناولته الأساطير التوراتية بأن عنده نشأت اللغات البشرية حين "تبلبلت" -نسبة لبابل- ألسنة أبناء نوح بعد الطوفان فصارت لغات كثيرة ثم جاءت حضارة الإسلام لتتناوله معمارياً وتعيد إنتاجه في شكل المئذنة الملوية الشهيرة بسامراء وماهي إلا اعادة استخدام لفكرة الزقورة في البناء لكن مع تطوير في الشكل فبدلا من كونه مربعا يصعد بك لعنان السماء فصار اسطونيا يصعد بك بالأذان للسماء نفسها خمس مرات في اليوم والليلة، وهو ما تأثر به بن طولون بعد اقامته في بغداد عند بناء مسجده العظيم في القاهرة والذي يشغل مساحة ستة أفدنة ونصف الفدان فاتخذت مئذنته شيء من الشكل ذاته في كون سلمها من الخارج لا الداخل، ونظراً لاعتزاز البلدين بمئذنتيهما قام العراقيون بتخليد ملويتهم على عدة أوراق نقدية فئات مختلفة منها النصف دينار في الاصدار القديم العظيم الذي كان يطبع في سويسرا فعرف بين البعض بالدينار "السويسري" -فلا تندهش- ثم أحد اصدارات ال250 دينار من الإصدارات الأحدث والأتعس، وكذلك قام إخوانهم المصريون بتخليد ملويتهم الطولونية على صدر الورقة فئة الخمسة جنيهات حتى يومنا هذا، أدام الله ظلها! ولا ننسى أن الشيقل هو عملة بابلية في الأساس وعرفها اليهود أول مرة أيام السبي في عهد بختنصر فاستخدموها أيام ثوراتهم ضد الرومان في القدس قديما ثم لتصير عملة دولتهم العبرية منذ عام 1980 حيث استخدموا قبله الليرة والبروطة والجنيه الفلسطيني. وقد اقتسم المصريون مع أشقائهم العراقيين تراث أبي الحسن بن الهيثم رحمه الله حيث أسس لعلم البصريات واختراع الكاميرا التي كانت تحريفاً لاسم القمرة أوبسكورا Camera Obscura أو الغرفة المظلمة التي عكس فيها صور المآذن مقلوبة وكان أول من وضع فكرة للسد العالي للتحكم في فيضان النيل في عهد الحاكم بأمر الله قبل أن يدع جنونه، ليهرب منه، لكنه حل ضيفاً دائماً على ورقة العشر دنانير القديمة ثم العشرة آلاف الجديدة لفترة قريبة بينما غاب في علمي حتى عن الطوابع المصرية. وكون بلاد الرافدين وهبة النيل حضارتين زراعيتين جعلهما يجيدون الحساب والفلك لتقسيم الأرض وتنظيم دورات الزراعة فاخترع البابليون نظام الأعداد الستيني وقسموا عليه الساعة والدقائق وجعلوا الأسبوع حزمة سباعية الأيام وربطوا بين تسميتها والأجرام السماوية بينما اخترع المصريون النظام العشري فكان لديهم الديكاد أو العشرية (أسبوعهم مؤلف من عشرة أيام والشهر ثلاثة أسابيع متساوية وهو ما تبنته فرنسا الثورة لفترة ثم عادت عنه) وكان تقويمهم على دورة الشعرى اليمانية واضافة الخمسة أيام Epagomenen لتكتمل السنة الشمسية التي نستخدمها حتى اليوم في أغلب العالم وتقسيم اليوم لأربع وعشرين ساعة (12 في النهار و12 في الليل، مسكتت ومعنچت) بينما يظل العالم حتى اليوم مديناً لأهل العراق في تقسيم الزمن ساعات لستين دقيقة والدقيقة لستين ثانية والسنة القمرية وإن كان حمورابي وضع لوح تشريعاته ب282 قانون كان واح ايب رع (آپريس Ἁπρίης) هو مشرع مصر بحق وقد ذكره الحكيم سولون Σόλων كواحد من المشرعين الستة الأعظم، كما قام ايراستوثينيس السكندري كأول انسان يقيس محيط الأرض بقياس زوايا ظل عصا في مدينتي الاسكندرية وأسوان في نفس اليوم في السنة وكما برع أهل الرافدين في الجبر والحساب برع المصريون في الهندسة …الخ لهذا في الألمانية نميز بين كلمتين للحضارة فهناك Kultur وهناك Hochkultur حضارة وحضارة عليا أو فائقة وهذه الأخيرة تنطبق شروطها على الحضارتين المصرية القديمة والسومرية تمييزاً لهما عن حضارات كثيرة من العالم القديم. وكما أن لدى المصريين أبو الهول (صورة الإله رع حور آختي، اتحاد قرص الشمس رع مع الصقر حورس في الأفق) والتي قلدهم فيها الإغريق فيما بعد لكن صوروها إناثاً وزينوها بالأثداء حتى صار لغطاً لدى الألمان هل تستخدم أداة التعريف der المذكرة أم die المؤنثة فخلص Duden لاستخدام أداة التذكير حين نتحدث في الميثولوچيا المصرية وعلم المصريات بينما إن تحدثنا عن الإغريق والمسرح اليوناني وملهاة أوديب فلنستخدم الأداة المؤنثة لنفس الكلمة كما أجاز شكلين للجموع فيها Sphingen وهو ما تجده في الكتب الكلاسيكية وSphinx من قبيل إقرار الأخطاء الشائعة- بينما تجد لدى العراق القديم ثيرانه المجنحة والتي اقتبس منها الفرس حيوانات أسطورية مشابهة. وعلى سيرة الحيوانات الأسطورية بين البلدين مصر والعراق اتفقا هم والسلطة الفلسطينية واليمن وسوريا (فترة الجمهورية العربية المتحدة) على استخدام نسر صلاح الدنيا والدين يوسف بن أيوب بن شادي الذي ولد بتكريت في شمال العراق وصار سلطاناً على مصر والشام، وعلى مقدار حبنا جميعًا لهذا الرجل العظيم والذي شهد له الغرب والشرق، على مقدار عدم حبنا لهذا الحيوان سيء السمعة لأسباب قد لا تتعلق بالضرورة بعلم الحيوان! :))

#بن_فضلان_والرحلة_البغدادية