top of page
Writer's pictureMostafa Farouk ابن فضلان

🇮🇶 بن فضلان صريع القيمر العراقي

وما إن أجهزت على القشدة والمربى حتى أتى النادل سامحه الله بعسل طبيعي بشمعه، فهل أتركه هكذا في طبقه وحيداً معاذ الله؟! ولم تفلح محاولتي لصرفي عنه بتخيله أنه قيء الزنابير ومخلفات النحل فرائحته ولونه يشيران أنه عسل زهرة البرتقال فلم ألحظ إلا وقوفي بجانبه وأنا أعمل فيه وفي قطعة الشمع المسجاة بداخل بحيرة العسل ملعقتي لينساب منها شلالاً فوق تل آخر من القشدة الطازجة وليذهب شهرين من الدايت إلى الجحيم


مشكلة المشاكل في الزيارات هنا لابد أن تكون في الشارع من السابعة صباحًا ويصعب هذا مع نوم في الخامسة أو السادسة بعد سحور ثقيل لا تجد فيه اللحم فقط بل ولحمة الرأس الضأن مطهوة مع المخاصي في صلصة الطماطم فحاولت أن أتظاهر بالعقل وتركت اللحوم هذه الليلة جانباً بعد مغامرتي الفاجرة مع الپاچه (تنطق پاتشا، لحم رأس الضأن) في السحور السابق والذي أرق نومي لدرجة أجبرتني على النوم جالساً كالأديب جوته الذي على مايبدو كان يعاني من ارتجاع المريء Gastritis فلم يكن يستطع النوم مضطجعاً في سريره وكذلك أنا في تلك الليلة رافعاً وسادتي كثيرا في وضع استغفار مما اقترفت في حق معدتي قبيل الفجر! وتوجهت في السحور هذه المرة للجانب البارد وحده منذ البداية حيث الأجبان والمربات ودبس تمر البصرة والقيمر العراقي (القشدة) فمنذ أيام المدرسة وأنا أعلم أن العراق الوحيد بجانب مصر في الوطن العربي الذي يملك جاموساً بجانب الأبقار، لأنه حيوان حساس جداً ويحتاج جواً معتدلاً بجانب الأنهار، فيجعل ألبانه ذات الدسامة العالية مصدرا مميزا للقشدة عالية الجودة والسعرات فأخذت منها ما يسر الله مع شيء من مربى التين التي نسيتها من أيام المدرسة في مصر لأن التين في أوروپا غالي الثمن ويباع الواحدة من يورو لاثنين يورو أحيانا فلا يهدر السيد تين في صناعة المربات، بينما في بلادنا كنت تشتري بالاثنين يورو هذه حمل بعير من التين، أذكر أن علبة مربى التين في مصر كانت بعشرة قروش في الثمانينات! وما إن أجهزت على القشدة والمربى حتى أتى النادل سامحه الله بعسل طبيعي بشمعه، فهل أتركه هكذا في طبقه وحيداً معاذ الله؟! ولم تفلح محاولتي لصرفي عنه بتخيله أنه قيء الزنابير ومخلفات النحل فرائحته ولونه يشيران أنه عسل زهرة البرتقال فلم ألحظ إلا وقوفي بجانبه وأنا أعمل فيه وفي قطعة الشمع المسجاة بداخل بحيرة العسل ملعقتي لينساب منها شلالاً فوق تل آخر من القشدة الطازجة وليذهب شهرين من الدايت للجحيم وطبيعي بعد تمشية النهار والليل ثم طعام سحور كهذا أن أنام نومة أهل الكهف حتى العاشرة، ولم أدرك المتحف العراقي لأنه يغلق أبوابه في الثانية عشر ظهراً! نعم فالمتحف المصري في رمضان وأغلب المزارات تغلق مبكراً في الرابعة عصراً لكن ليس في منتصف النهار هكذا كالمتاحف العراقية! فأكملت الزيارة بالتجول في شارع المتنبي وزيارة تمثاله بآخره بجانب نهر دجلة وزيارة المدرسة المستنصرية التي أعرفها من خلفية الورقة فئة الدينار واصطحبني صديقي لنصب شهداء الحرب العراقية الإيرانية والذي نعرفه في خلفية أوراق الخمس وعشرين دينار القديمة وتعد من أجمل أوراق النقد العراقية في رأييي حتى اليوم، ولم أفلح في الدخول حتى نصب السيفين المتقاطعين (قوس النصر) لوجوده داخل المنطقة الخضراء المغلقة حيث مباني ومساكن الحكومة وخلافه. فكرت أن أطير لأربيل خاصة وأن مكتب الخطوط العراقية كان مقابل الفندق البغدادي مباشرة لكني وجدت أن اليوم هي طائرة واحدة ومكتملة العدد فسلمت للخطة الأساسية في الذهاب لموقف الباصات والتاكسيات الرئيسي أو "گراج النهضة" متذكرا نصيحة صديق بغدادي أن آخذ السيارة من داخل الموقف لا خارجه حيث أن أحيانا قد يقوم بعض السائقين خاصة من خارج الگراج بالقيام بسيارة جديدة مكيفة ثم بعد عدد من الكيلومترات بحجة أن حدث عطباً يتم تغيير السيارة بأخرى قديمة وبها تكييف معطل مثلاً! وأغلب السيارات هناك هي سيارات دودچ أمريكية ذات صالون مكيف تشتهر باسم "سيارة دودچ أوباما" -لا أدري لماذا- وأنصح بها جدا لأنها مريحة وأوفر من تأجير سيارة خاصة بسائق والتي قد تكلفك 100-150$ لكن سيارات موقف النهضة كافية جداً وتفي بالغرض خاصة حيث إن الفرد بخمس وثلاثين ألف دينار (22 يورو) أما إذا كنتم اثنين أوثلاثة فتستطيعوا أخذ الحوض الخلفي (الكنبة الخلفية) لكن مع أخذ المفارز الأمنية (الكمائن/السيطرة) على الطريق في الاعتبار فقد يصل الطريق لخمس ساعات كاملة! لكن الشهادة لله الضباط القائمين عليها دمثي الخلق حتى وإن اندهش بعضهم من ماذا جاء بسائحين أوروپيين لهذه البقعة من الأرض بل وإلى العراق في الأساس، فأشرح لهم أن رحلتي هذه متأخرة جدا ووددت جدا المجيء إليها منذ الصغر لكن لم يكن ميسرا بعد، أما الآن في رمضان وقبل دخول الصيف بحق فعقدت العزم على المجيء، ومما يسر لي أيضاً كم الأختام الغريبة والعجيبة في جواز السفر من قيرغيزيا لجالاپاجوس حتى سألني أحدهم وأين جالاپاجوس هذه فأحلته على مقالاتها وصورها على المدونة فتيقنوا أن صاحبهم ممسوساً بشغف الترحال وبه جن ألا يمكث في أرض واحدة. وأشهد أن في كل مرة فتحت فمي شارحاً وبمجرد أن يستمعوا للهجتي المصرية ينقلب الحال من الريبة للتهريج أحيانا وتعليقات من قبيل "أنت من جماعة خوفو!؟" أو ينبري أحدهم بسرد المصريين من ذوي الأصل الكردي مثل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد والمرحوم محمود المليجي فأكمل له وسلطان مصر والشام صلاح الدين والإمام بن تيمية وسعاد حسني وأبوهما حسني البابا مدرس الخطوط الذي استقدمه الملك فؤاد -لمشروع كتابة المصحف الذي أنجزه في مشروعه لمحاولة اعادة الخلافة للقاهرة بعدما أعلن إلغائها في استانبول، وهو بالمناسبة المصحف الذي تم اخراجه فيما بعد باسم "مصحف المدينة" ثم انتشر على لسان العوام باسم مصحف الملك فهد نسبة لدار طباعة المصاحف التي تولت طباعته فيما بعد- ولأن استخدام الفصحى في الحديث وأنت تحمل جوازا أوروپيا هنا ليست بفكرة سديدة على الإطلاق فقد تصنف من الدواءش مثلاً وخاصة لوجودهم بجبال حمرين نواحي محافظة صلاح الدين، لكن الناس اعتادت مسامعهم على اللهجة المصرية منذ سبعينات القرن الماضي وعاشوا معهم على الحلوة والمرة أيام الحروب والغزو والسلم، بل أن في عهد الرئيس عبد السلام عارف كان الأديب الشهيد سيد قطب رحمه الله مرشحاً لتولي وزارة المعارف في العراق، وتدخل الرئيس عبد السلام عارف شخصياً وليس الملك فيصل وحده لدى عبد الناصر لإخراجه من السجن أو ايقاف قرار إعدامه لكن دون جدوى، وهذا يشبه تدخل الأمير عباس حليم بإيعاز من أمير الشعراء أحمد شوقي -والذي كان ربعه كردياً بالمناسبة، وثلاثة أرباع أخرى چركسي ويوناني وتركي- في ايقاف الحكم بإعدام الشاعر العظيم محمد عاكف أرصوي في عهد أتاتورك -بحجة قانون قيافت سيء السمعة، لمعاقبة كل من رفض القبعة مصراً على الطربوش أو العمامة- فعاش أرصوي في مصر عقداً كاملاً أنجز فيها ترجمة القرآن كاملاً للتركية، كما درس الأدب التركي والخط في جامعة القاهرة. لكن أزمة المثقفين والسلطة معلومة في كل زمان ومكان وحتى يومنا هذا منذ انتحار سقراط بالسم والذي وصفه تلميذه أفلاطون بأنه كذبابة الخيل تلسع وتنبه لا أن تخدر الناس، وكذلك الإمام الأعظم أبي حنيفة مات في محنته الثانية بالسجن مسموماً.


13 views0 comments

Commenti


10 resons2Travel
bottom of page