top of page
Writer's pictureMostafa Farouk ابن فضلان

🇩🇪 🇹🇷 فصل المقال فيما بين الكنافة والليبكوخن من اتصال

Updated: May 6, 2022

لكم تمنيت أن أصفق بكلتا يدي على وجه أول من روج لأسطورة أن ألمانيا تحتفل بالعام الثلاثين لعدم انقطاع التيار فيها...فلقد مر بي في آخر عقدين على الأقل خمس مرات أذكرها جميعا بل وواحدة منهم كانت كبيرة بمكان أن خصصت لها منشورا في حينها حيث حدث عطلا في المفاعل النووي ...



لكم تمنيت أن أصفق بكلتا يدي على وجه أول من روج لأسطورة أن ألمانيا تحتفل بالعام الثلاثين لعدم انقطاع التيار فيها...فلقد مر بي في آخر عقدين على الأقل خمس مرات أذكرها جميعا بل وواحدة منهم كانت كبيرة بمكان أن خصصت لها منشورا في حينها حيث حدث عطلُ في المفاعل النووي الرئيسي للمدينة حتى أثر على خط الإنتاج في شركة فولكسڤاجن ذاتها كما نشر في الجرائد حينها وتسببت هذه الثلاثة ساعات والنصف من انقطاع التيار في خسائر بعشرات الملايين من اليوروهات وأذكر يومها أنني لم أستطع استخلاص طرد بريدي لي من مكتب البوستة حيث لا كهرباء فلا حاسوب أو انترنت ومن ثم لا امكانية من تسليم الطرود والخطابات لأن جميع الدفاتر الورقية للصادر والوارد تم استبدالها بالنظم الالكترونية! فتسكعت في الطرقات أتأمل حال الناس أو أشرب فنجانا من القهوة في المقهى الإيطالي بوسط شارع پورشه Porschestrasse فتذكرت أن المواقد الغازية شبه معدومة في هذه البلاد فلسنا في إيطاليا أو روسيا مثلا حيث يتوفر الغاز ومواقده فهنا بلد الطاقة شبه النظيفة (ظاهرا على الأقل) أو للدقة غير الأُحفورية وبذلك صار فنجان الإسپريسو ضربا من الخيال وحلماً صعب المنال ذاك الصباح وها هناك عجوز ثرثار يزايد علينا بحديث جهوري بأنه يستيقظ مبكرا حتى يوم السبت فملأ إناء قهوته الحراري (الترموس) ما يكفيه مؤنته حتى المساء فضحكت مع الشباب الإيطاليين لتلميحات العجوز الألماني الخبيثة فلولا عملنا الشاق وضرائبنا التي جعلتنا نطيل نومنا حتى السابعة صباحا لما وجد هذا العجوز معاشا يشري به قهوته المزهو بها

أعترف أنني استيقظت يومها متأخرا في السابعة صباحا -وليس في الخامسة وفق العادة في أيام الصيف المنيرة- فالسبت قدست راحته يأتي بعد أسبوع حافل أسمح معه لنفسي السهر في مساء الجمعة (ليلة السبت) بمقدار يسير. وكانت السابعة ساعة صفر انقطاع التيار والذي لم ألحظه إلا من خلال الانترنت اللاسلكي (الواي فاي) الذي توقف عمله على هاتفي ثم حاولت على جهاز غيره لأجده شرحه غير متصل وفقط حين ذهبت للراوتر انتبهت للمپاته مطفأة بالكلية فعلمت أن المشكلة ليست انقطاع انترنت أو وقوع شبكة كما ظننت بل ما أهو أدهى وأمر

ولأن طلمبات الوقود في محطاته تعمل فقط بالكهرباء صار تموين السيارات غير متاح, فتحول الناس للدراجات مثلي أو راجلين ليمتلئ وسط البلد بعدد غير معهود من الناس في هذا الوقت ولأن لا أحد يعلم متى يعود التيار ويصلح العطل فلقد قام قصاب الحي ببيع لحومه بثلث ثمنها مناديا عليها بصوته وكأننا في عصر ماقبل اختراع المايكروفون على أمل أن ينتهي منها جميعا قبل أن تفسدها حرارة شهر يوليو.

تذكرت هذا اليوم المشهود من صيف سنين خلت في ليلتنا الشتوية هذه!

هذه الليلة أنهيت آخر يوم عمل لي بهذه السنة حيث تبدأ إجازتي مع أول أيام أعياد الميلاد (ڤايناختن/كريسماس/نابيداد/نويل/ناتاليه) أو بالتحديد يوم ليلة عيد الميلاد الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون أول) و التي من النادر جدا أن حضرتها في ألمانيا فهذه ثاني ليلة عيد ميلاد أحضرها خلال واحد وعشرين عاما مذ استقراري في أوروپا أي بواقع ليلة كل عقد تقريبا - فأعياد الميلاد اعتدت قضاءها في بلجيكا لأسباب أسرية أو في الغردقة لأسباب تتعلق بعملي القديم في مجال الإرشاد السياحي- وبينما أحضر نفسي لآخر نصف يوم تعمل به المحلات غدا حتى منتصف النهار لتغلق أبوابها حتى العاشر من يناير من العام القادم على أفضل تقدير بسبب حالة الإغلاق الكوروني (Lockdown) حدث الانقطاع مرة أخرى!

لم ينقطع هذه المرة التيار الكهربي بل ما هو أسوأ الماء!! نعم أكتب لكم من ألمانيا ومن قلعة صناعة السيارات الأكبر في أوروبا مدينة ڤولفسبورج في غرب ألمانيا ولست في قاهرة الثمانينات أو روسيا التسعينات أو رومانيا حيث كان الناس تستيقظ فجرا أو تتحين وقت وجود الماء في الصنابير كشئ عزيز فيقومون بتخزينه في أواني أو صهاريج تقيهم شحه أوقات انقطاعه, لذا فأفسدتني رفاهة ونعمة ديمومة الماء في الصنابير غير مقطوعة ولا ممنوعة ولم أعتد تخزين الماء في المنزل وكذلك لم أعد حتى أشتري زجاجات الماء كما كنت أفعل في مدينتي القديمة مونستر -حيث أغلب أنهار ألمانيا تحمل الكثير من الجير مما يفضل معه ألا تستهلك ماء الصنبور في الشرب والطبخ, لكن هنا لقربنا من اقليم الهارتس الجبلي الأفضل بيئيا ومن الأنسب صحيا استهلاك مائه, حتى لأن ثبت في دراسة أن مياه الشرب هنا تفوق 53 ماركة من زجاجات الماء بالأسواق فلا يوجد بالبيت زجاجة واحدة ولا حتى كوبا من الماء, تنبهت لهذا حين قصدت المطبخ لإعداد كوب شاي فقررت اقتسام وعاء ماء ماكينة القهوة بيني وبين صديقي القط شترودل حتى يتم اصلاح هذا العطل أو يطلع النهار الأخير للمتاجر قبل الإغلاق السنوي -الذي امتد هذا العام ثلاث أسابيع تقريبا للتحول الميتروپوليس فولفسبورج إلى نيكروپوليس (مدينة أموات) وبدون مارة في الطريق لظروف حظر التجول اليومي والإغلاق التام حتى العاشر من يناير- لنشتري شيئاً من الماء!


ورغم أن أعياد الميلاد في ألمانيا مميزة جدا بكل مظاهرها تضاهي أيام رمضان في أحياء القاهرة الشعبية وسيدنا الحسين بزينة الشوارع والفوانيس والتسابيح وصوت الشيخ رفعت وتواشيح النقشبندي وأغاني بعينها وفرح الأطفال وعربات الفول والكنافة والياميش والأسمطة (موائد الرحمن) ودورات الكرة بعد التراويح حتى وقت السحور...إلخ

ترى هنا في ألمانيا بالتوازي نفس الأفراح والزينة لكن بنكهة أخرى: فهاهو سباق الشراء المحموم للهدايا لكن يغيب هذا العام لأول مرة منذ مئات السنين -بسبب الحظر الكوروني- أهم تقليد لهذه الأيام Die Weihnachtsmärkte أو أسواق عيد الميلاد والتي بقيت على حالها منذ مئات السنين تفوح منها رائحة الحلوى ذات القرفة والينسون مثل الليبكوخن النورنبيرجي Nürnberger Lebkuchen والپرنتين الآخني Aachener Printen والشتولن الدريسدني Dresdner Stollen وكذلك أطعمة من جبن وعسل ومقانق أو لحم حيوان الرنة في صوص الفلفل والنبيذ الساخن لشاربيه والشوكولاتة باللبن والزنجبيل لأمثالي كل هذه الروائح متداخلة وسط كم من الأضواء الملونة المبهرة وموسيقى الأغاني التقليدية لهذا الوقت من السنة والتي انتشرت في العالمين القديم (باقي أوروبا) والجديد (مع الألمان المهاجرين للولايات المتحدة) فترجمت أشعارها أو استبدلت بنص إنجليزي بديل يتوافق مع اللحن لتنتشر في صيغة جديدة بلغة يسيرة (الإنجليزية) ثانية من الغرب لباقي العالم فيظن الناس خطأ أنها أميريكية تماما كعادة الهالوين الأيرلندية ذات ثمار اللفت البيضاء وحين ذهب المهاجرون الأيرلنديون الأوائل لأمريكا أرادوا إحياء تقاليدهم الثقافية لكنهم لم يجدوا ثمار اللفت التي عرفوها فاستخدموا القرع العسلي كبديل حتى صار القرع العسلي رمزا لهذا العيد وما فتيء أغلب الأيرلنديين اليوم (المتأمركون) يزينون بيوتهم في عيد الهلع (الهالويين) ثمار القرع حتى لم يبق منهم على ولائه لتزيين ثمار اللفت سوى بعض البيوت الأيرلندية القليلة المحافظة على الأصالة

وهكذا كلما تتبعت أصول هذه الأعياد وتاريخها لن تجد لها أي علاقة بالمسيحية من قريب أو بعيد فكلنا مسلمون ومسيحيون وغير ذلك نعلم أن المسيح عليه السلام ولد في الصيف وقت يصير التمر رطبا وأن أول عيد ميلاد أحتفل به في القرن التاسع الميلادي..

تماما كقضية فانوس رمضان أو أكل الكنافة لا أصل لهما في الدين أو الشعائر لكنهما ارتبطا عاطفيا وثقافيا بالشهر الكريم في بعض الدول وبخاصة مصر والشام وتركيا لأسباب تاريخية ومما يبعث على الضحك تلك الخناقة العبثية التي تنشب كل عام بين فريقي تهنئة هؤلاء وعدم التهنئة لأولئك من أزواج وأصدقاء وجيران وزملاء العمل بهذا العيد أو ذاك! ولست هنا لأدعو فريقاً أو غيره أن يغير من قناعات -ظن بعضهم مع الوقت أنها دينا رغم أنه لا يطبق حرفا من نسكه لكنك تجده جادا وثائرا في هذا الأمر دون غيره وعظائم المنكر تؤتى والمعروف ينهى عنه ليل نهار - لكن حنانيكم يا سادة فتحميل أمر ثقافي أبعادا تاريخية مغلوطة أو دينية لا يحتملها -أو للدقة لم يعد يمثلها أصلا- أراه ضربا من فنون تبديد الطاقة واضاعة الوقت فيما لا يفيد وقومي من الطرفين رواد ومهرة في هذه الفنون للأسف هدانا الله وإياكم أجمعين


49 views0 comments

Comments


10 resons2Travel
bottom of page