top of page
Writer's pictureMostafa Farouk ابن فضلان

تلازم النبيذ والجبن ثقافياً 01 🇮🇹


كما أننا نجد ثنائيات متلازمة كالتمر والماء "الأسودان"، والحليب والعسل "الأبيضان" بنفس القدر يتلازم الجبن والنبيذ عند شعوب جنوب أوروپا وغربها خاصة الإيطاليين والفرنسيين والبلجيك.

فكما تتعدد الأجبان لونا وطعما وقواما، كذلك الحال بين الأنبذة، وكما يتسع المجال للابتكارات فيهما على مصراعيه، يرتبطان بكونهما طعاما احتفاليا، ويشتهر إنتاج بعض أنواعهما بغزارة في الأديرة، وتجد الحيل التسويقية كثيرة في زيادة هذا الارتباط بداية بالترويج لاستحسان الجمع بين دهون الجبن وبين حموضة النبيذ فيكون ذلك متعادلا كيميائياً ومتوازناً صحياً، وكأن ثلاثة أرباع توليفات المواد الغذائية ذات مغزى صحي أو علاجي! :))

 ووصولا إلى وضع الكثير من الأدوات والأواني والصحون، التي تبرز فنون تقديمهما معا وتنسيقهما في عبوات مغرية أشبه بفن تنسيق الزهور.

لذا سنتعرض للجانب الثقافي للنبيذ دون التطرق لكونه حلالا أو حراما، فالكل يعرف قواعده وفق شريعته.

رغم انطلاقة النبيذ في جورجيا وانتشاره في مصر القديمة كثاني اثنين من القرابين السائلة "النبيذ واللبن", إلا أن الإيطاليين أخلصوا للقضية جدا في تراثهم وآدابهم وعبروا عن مكامنهم به:

1. المثل اللاتيني الشهير “In vino veritas” “في النبيذ (تكمن) الحقيقة” ويعني أن الناس غالبًا ما يقولون الحقيقة بعد تناولهم للنبيذ، طبعاً لعدم سيطرتهم على ألسنتهم أو كما قال الفيلسوف الفرنسي رابيليه Rabelais

‏ Le vin est la chose qui garde toutes choses sauf les secrets النبيذ يحفظ كل شيء إلا الأسرار.

وهذا يوضح لنا لِمَ كانت الكثير من الشعوب التي اعتادت معاقرة الخمر، تنظر لمن يجلس معهم في مجالسهم دون أن يمس الخمر بشيء من الريبة وقد يساء فهمه خاصة ممن لا يعرفونه أو يعرفوا جانبه الثقافي أو الصحي في امتناعه عنها كمثلا أن يكون الممتنع عن الشراب يحتفظ بسر أو مصيبة حيال أحد الجالسين، كأن يكون على علاقة بإمرأة أحدهم فيخشى أن يفتضح أمره.

حتى قال بعضهم "Chi beve solo acqua ha qualcosa da nascondere" من يشرب الماء فقط فلديه شيئُ يخفيه، قالها لي قديما صديق برتغالي وسمعتها ذاتها في لغات عديدة ومناسبات مختلفة سواء عند الإيطاليين أو الروس أو حتى الألمان لكنني تعودتها منهم وتعودوها مني فلا أفضل شيء للشرب على الماء والإسپريسو إلا مشروبات قليلة جداً نادرا ما تتوفر.

‏2. “Il vino è la poesia della terra” (النبيذ هو شِعر الأرض) -لعل ذلك تأثراً بالقول المنسوب للسيد المسيح: "أن الفقراء ملح الأرض وإذا فسدتم فبماذا يملح؟!"- للإشارة لجمال المشروب وتقديرهم له دون غيره من الخمر كجزء من التراث الثقافي والطبيعي للبلاد التي تزرع الكروم منذ آلاف السنين، لذا قالوا أيضا:

‏3. “Chi beve vino, vive bene” - “من يشرب النبيذ يعيش حياة جيدة”. يعكس هذا المثل الإيمان بأن النبيذ يساهم في حياة ممتعة وصحية لعله لقرب الأحرف من بعضها فحاكه الناس على شكل حكمة أو تأثرا بالتراث البايبلي " أعط المسكر للهالكين والنبيذ للنفوس المرة ليشرب وينسى فقره ولا يذكر تعبه بعد، وتأثر بها شكسپير في ماكبث "Let them drink and forget“ دعهم يشربون وينسون ومنها تسربت بسبب الثقافة الآنجلوفونية للأفلام المصرية القديمة في غير موضع "خليه يشرب علشان ينسى"!

‏4. “Il vino si beve in compagnia” - “النبيذ يُشرب في صحبة”. وجميع ما سبق يؤكد على أهمية الاستمتاع بالنبيذ بين الأصدقاء والعائلة.

‏5. “Ogni vino ha la sua storia” - “كل نبيذ له قصته”. تعبر عن أن كل نوع من النبيذ يحمل تاريخًا وتراثًا خاصًا. وتقال أيضاً وسط من يتحدثون عن النساء، لتأكيد خصوصية كل قارورة عن أختها ، أو أن لكل شخص ما يميزه من تاريخ وسيرة…

وعلى السيرة الهباب، بينما كان الكاتب منهمكاً في كتابة أمثلة النبيذ هذه، نبذتُ حقيبة سفري خلفي في احدى القطارات التي تقافزت فيما بينها عوضا عن طائرة ثانية كانت ستقلّني من دوسلدورف إلى هامبورج في الشمال ثم قطار النزول للجنوب ثانية الذي عافته نفسي وفضلت بدء رحلة القطارات من التوقف الأول لعله كان أسرع قليلا، لكن لم تكن الأمور كذلك والحمد لله، فلنتوقف قليلاً عن حديث الأنبذة وما ينبذ في القطارات والحانات والأقبية، إلى ما يمتع الحواس ويفسد القوام، ويلتهم في الصباح والمساء ...(يتبع)


11 views0 comments

Kommentare


10 resons2Travel
bottom of page