top of page
Writer's pictureMostafa Farouk ابن فضلان

🇩🇪ما ألذ الضأن وأطيبه، لولا…(من أحاديث الجد ڤالتر 01)

Updated: May 6, 2022

كان عميد العائلة السيد ڤالتر انساناً لطيفاً جداً يخشى زوجته شديدة الشكيمة والباهرة الجمال بالرغم من أعوامها السبعين، ورغم أنه كان محارباً شجاعاً في شبابه -فلم يأسره السوڤييت في الحرب إلا بعد إصابته، وأخذ جريحاً - إلا أنه كان لين العريكة سهلاً مع زوجته وكانت هذه احدى نقاطاعجابي الكثيرة به...

المكان مائدة عيد الفصح في أويپن بشرق بلجيكا أثناء غداء عائلي احتفالي، وكنت أحب اجتماع العائلة وزيارة الجد والجدة كثيراً لكثرة ما نتناوله منأحاديث وذكريات تجعلك لا تعيش خبراتك وحدك بل ترى من ألمانيا والبينيلوكس (BE, NL & LUX) مالم تستطع اللحاق به زمنياً وما لم تقرأه فيحوليات الحرب أو مسرحيات ميترلينك Maurice Maeterlinck -نوبل في الأدب 1911- المفعمة بالجوانب الانسانية والاجتماعية.

و كان عميد العائلة السيد ڤالتر انساناً لطيفاً جداً يخشى زوجته شديدة الشكيمة والباهرة الجمال بالرغم من أعوامها السبعين، ورغم أنه كان محارباً شجاعاً في شبابه -فلم يأسره السوڤييت في الحرب إلا بعد إصابته، وأخذه جريحاً - إلا أنه كان لين العريكة سهلاً مع زوجته وكانت هذه احدى نقاط اعجابي الكثيرة به، أظنها حكمة الحرب هي التي أكسبته القدرة على صناعة السلام أو لعلها حكمة الأجيال القديمة التي قاست كثيراً في صباها وشبابها فكانوا أفضل خلقاً وأنضج عقلاً من الأجيال اللاحقة، وكلما ذهبت للرجل كان هذا الهايلايت من عطلاتي التي دأبت أن أقضي نصفها في بلجيكا لأكثر من عقد سواء في عيدي الفصح والميلاد وما بينهما لنتبادل الأُسمار والأخبار والأحاديث عن الله والدنيا كما يقول الألمان über Gott und die Welt وفِي الخلفية تنساب موسيقى جيله التي أستلطفها على إذاعة WDR4 "ڤيرونيكا دير لِنتس إست دا …ترا لالا 🎵🎶 (لحن شهير من العشرينيات يتغنى بالربيع لمحبوبته ڤيرونيك)



وكنا حول المائدة وحان وقت الغداء وقدمت طبقاً من لحم الضأن أنضجته بالفرن بطريقة شهية، ولكن الرجل لم يقربه واندهشت لأنه كان سيفعل ولو على سبيل التجربة، خاصة وأني أحضرته معي خصيصا وإذ به يخبرني أن لديه عقدة من لحم الضأن فهي تفكره بأيام حبسه في معتقل المغول -عفواًمعتقل السوڤييت- عند الروس في صحراء قره قوروم Karakorum بجمهورية كازاخستان السوڤيتية آنذاك في الفترة من 1945- 1950 حيث كانت هناك ندرة في كل شيءٍ وخاصة بالمعتقل سواء في الطعام أو في ما يستر البدن، فكانوا يتسابقون في دفن زملائهم من العساكر الألمان الأسرى ممن لم يتحمل البرد وقسوة الحياة من رفاق السلاح وبعضهم كان جاره من الشارع الذي يليه ليظفر إما بچاكيت أو بنطال يخلعونه عن الجثة عند وضعهابالحفرة التي صنعوها بأيديهم فما حاجة صديقهم للبزة العسكرية لحظتئذٍ، وهو تحت التراب؟! فهو لم يعد يشعر ببرد الصحراء ولا حرها الحرور ولاذُل الأسر -ورأيت في عينيه أسى وكأنه عاد لتوه من هذه الدفنة رغم مرور خمسين عاماً على الحادثة المروية- وأخذ هو ساعتها چاكيت زميله وجاره"ماتيو" مغنماً ليلتحف به مع أسماله البالية الأخرى وجندي أسير آخر البنطال وثالث الحذاء هكذا تم اقتسام تركة الجندي مجند رقم 0815.

ولأن ما يقدم لهم قوتاً مرة واحدة في اليوم كان طبقاً من الحساء (غالباً بورش Борщ) مع قطعة من الخبز الأسود الجاف قد تصغر يوماً أو تكبر يوماً المهم ألاتغيب كي تقيم أودهم، بينما المطبخ البلجيكي ثري بأنواع الحساءات الدسمة وأطايب الخبز والجبن والجعة والأنبذة فتخيلت نفسية من يقتطع في عنفوان شبابه من مائدة أبيه وأمه العامرة ليرمى به في أوار حربٍ ضروس لم يطلبها ليدافع عن أكاذيب محضة وباطل ملفق وامتثالاً لأوامر الفوهرر العظيم، المهم أنه جيء بِه للجبهة وإذا به ينتهي أمره في محبس في بلاد بعيدة في قارة أخرى بوسط آسيا ينتظر بين الحين والآخر لحظة أن يتقاسم زملاؤه ملابسه البالية وحذائه فيما بينهم بعد رميه جثماناً بارداً في حفرة مماثلة لعلها بجانب تلك لصديقه ماتيو.

لذا حرص صاحبنا جداً على حفظ نفسه، صحته ولياقته قدر الامكان وألا يهدر طاقته، حتى إذ كانوا ذات مرة بين الغرود الرملية وجدوا جثة شاة صغيرة وقد بدأت في التحلل، تركها أحد الرعاة وراءه بعدما نفقت -فأغلب السكان هناك مسلمون ولا يأكلون الميتة- فاستبشر الجند الأسرى من الألمان فرحاً وأسرعوا لاستنقاذها من الهوام والسباع وقاموا بتقطيعها وأكلها بعد حرقها سريعا كمحاولة للاستنضاج والتطهير للحم ميتة مضى عليه يوم أو اثنان وقد بدأت تخرج منه ريحة منتنة، لكنك يا بني لا تعرف شعور الجوع والغربة والبرد والأسر عند الروس -وكأنه يبرر لي فعلته موجها كلامه- فكان ما ناله منها في هذا اليوم الاستثنائي قطعة لحم قال لي في وصفها أنها كانت سيئة الطعم، بشعة بدرجة تخيلت أنني لو قضمت نعل حذائي لكان أقل سوءا منها!

وبعد نصف قرن على حادثة الشاه الميتة إلا أنه لم يطعم الضأن منذ ذلك اليوم أبداً حتى ولو كان من مائدة السماء!


73 views0 comments

Comments


10 resons2Travel
bottom of page