top of page
Writer's pictureMostafa Farouk ابن فضلان

موسكو بعد غياب 03 🇷🇺 الزهور للأحياء وتراً وللموتى شفعاً



ثلاثة أحداث في حياة الانسان مهما غابت الأديان أو غُيبت في مجتمع ما بحجة إزالة الفوارق، لابد وان تظهر الطقوس الفروق بين البشر سواء أكانمجتمعاً متديناً أو حتى كان مجتمع مالوش فيها أصلاً؛ هكذا الحال مع الموت والزواج والميلاد

ولأنها أول زيارة لصديقاي منذ وفاة والدتهما التي دائما أكرمت وفادتنا في بيتهم وشرحت لنا في المتاحف من خلال خلفيتها الفنية فهي مثّالة (نحاتة،أو بلغة البعض صانعة أصنام 😊) وأعدت لنا المخبوزات وروائع من المطابخ السلاڤية والتترية واليديشلاند فهم عائلة مختلطة كما وضحت في پوستسابق، (مسلمون تتر، يهود آشكيناز وقوازق أرثوذكس) فقبلت على الفور دعوتهم أن نمر على مقبرة الفقيدة خاصة وأن هناك مَعْلمين قريبين لم أزرهمامن قبل فاصطحباني لزيارة قبر والدتهما الراحلة في ضاحية ديميدوڤيا جنوب موسكو، ووجدت إجابة على سؤال لم أسع إليه يوماً قط -رغم فضوليالمعرفي- عن معتقد شخص طيب تعاملت معه وحملت لها كل حب وتقدير كخالة وكفى، أما معتقدها يخصها وحدها وحسابي وحسابها عند الله تعالى،ولا شك أرجو النجاة للناس جميعا لكن فكرت تُرى ماذا تفعل أسرة مختلفة المعتقد كهذه في طقوس الموت؟! وكيف عساها تصلي للمتوفى؟وهل يفرقبين الأب وابنه والأم وابنتها لاختلاف العقائد؟ لا شك مثل هذه الأفكار تشغل بال كل من هاجر وانقطع عن مجتمعه القديم مفكرا في حاله هو ومآلهبغض النظر عما أفردته كتب الفقه الاسلامي أو حتى كتب الهالاخاه (الشريعة اليهودية) في هذه المسائل الفقهية في عدم تخصيص الإسلام لأيامبعينها للزيارة وكون فترة الحداد لدى المسلمين لا تتخطى ثلاثة أيام "لا عزاء بعد الثالث" يحرم فيها النواح وأفعال الجاهلية الأخرى كشق الجيوبوغيرها وتمتد في اليهودية لسبعة أيام (شِڤوعاه שבועה) والتي يمتنع فيها أهل المتوفى عن كثير من الاعمال مِن بينها الطبخ ويقتاتون على البيضالمسلوق (الكائن الحي الوحيد الذي ليس له فم كما يعتقدون) والذي يحضره لهم المعزون من الأهل والأصدقاء كما يغطون كل المرايات في منزلالمتوفى، ويقوم كل زائر بوضع حجر (طوبة) على القبر وارتباط زيارتها بعيد يوم الغفران (يوم كيپور יום כיפור) فهو عيد من الأعياد الحزينة الطباعوالطقوس بوجه عام لا يرتدون فيها كيپاه بيضاء أو أحذية جلدية وغيرها مما تعرضنا له في مقالات #بن_فضلان_في_أرض_كنعان

وصلنا لمقابر العائلة لأجدها مقابر إسلامية محددة بلافتة Мус. (مُوس اختصار مسلمون بالروسية Мусульманский) وبها شاهدا قبر أقدمهماللجد الأكبر الملا محمد ضياء الدين (الشيخ التتاري المسلم)، والثاني يجمع كل من ابنه (جد صاحبي) د. رستم وكان طبيباً في وكالة الفضاء وزوجتهاليهودية حيث قضيا في حادث سيارة في بداية التسعينات، والتحقت بهما ابنتهما الوحيدة التي حملت اسما يتفق مع الثلاثة معتقدات وليكن مريم أوماشا Маша كما يدلله الروس وكما اتفقنا لن نتدخل في معتقد الفقيدة فهي عند ربها تحاسب عن عملها ومعتقدها وحدها مثلما سنحاسب جميعاًعن أعمالنا ومعتقداتنا ونسأل الله النجاة والجنة لنا ولوالدينا أجمعين. ولا أناقش شرعية فصل المقابر وفق المعتقد والجنس وإنما أصف ما أرى وأتعرفإليه في إطاره الثقافي كما هو، لكن أعترف أن لدي عادة غريبة كلما وجدت مقابر في طريقي في أي دولة أحب الدخول إليها والتعرف على أشكالهاسواء كانت مقابر دفن عادية أو كريماتوريوم لدفن رماد الجثث المحترقة وإن يسر الله لي الذهاب لممباي (بومباي قديماً) لن أتوان في رؤية أبراجالصمت الخاصة بالزرادشتيين (المجوس) بنفس حماسة زيارة الأهرام أو الكاتاكومبس في مدن الإغريق والرومان مَش جروفتي Grufti والله 😄(لست فرداً من جماعات ثقافة القوطيين/الجوثك Gothic وجماعة ارتداء الملابس السوداء وتلطيخ الوجه بالأصباغ البيضاء وارتداء الحلي الخاصةبالموت والموتى والاستماع لموسيقى الروك) لكنه مكان للعظة والتعلم ايضا ليس فقط العبرة والأخرويات لكن حتى في أمور الدنيا واللغات

فعند التفتيش بين الأسماء والجينيالوجيا Genealogy/Genealogie (أصول العائلات) تصل لنتائج تعين على فهم ظروف تاريخية ما فمثلاً عند التركالعثمانيين شواهد القبور تدلك على مهنة الشخص المدفون إن كان على هيئة شراع فصاحبه كان يعمل بحاراً في حياته، وإن كانت عليها عمامةضخمة فكان سلطاناً أو شكل معين من العمامة الاسطوانية الطويلة فلقد كان من جند الانكشارية، وارتبطت الزهور بشواهد قبور النساء فإن كانتزهرة مكسورة معناها أن صاحبة القبر كانت فتاة لم تتزوج حين توفاها الله أو إن رأيت شاهد قبر نسائي وبجانبه شاهد صغير فهو لأم توفت ودفنتمع وليدها، وشواهد القبور الصغيرة هي للأطفال وتتباين أطوالها مع طول الطفل حين الوفاة…الخ

وعودة لعادات وتقاليد الروس في مقابرهم:

قرابين حديثة:

هي أعجب العادات التي رأيتها وضع طعام للموتى فوق القبور! وهي لا شك باقية من أيام قبائل السلاڤ الوثنية قبل الإسلام والمسيحية فوجدتساندوتشات في كيس مفتوح على شاهد قبر ولا يقربها بشر فهي أُعدت لأرواح الموتى فيما يعتقدون وقد يأكل منها الطير أو الحيوان لكن يستحيل أنتمتد له يد بشرٍ منهم فهم في التشاؤم أكثر تطرفاً من الإسپان وتستطيع أن تقتل روسياً أهون عليه من أن تمتد يداه إلى هذه "القرابين" والتي قدتجلب له النحس ولأهله من بعده إن طعم منها!

السلام بحرص:

فمثلا هم لا يستخدمون تحية الوداع الأشهر دازڤيدانيا до свидания (إلى اللقاء) حين يقابلون أشخاصاً هناك عند المقابر لبائعي الزهور مثلاً أوأقاربهم وإنما تشيسليڤا счастливо تقارب "فُتّكم بالعافية" المعروفة لدى الجدات المصريات أو حرفياً "(أراك) سعيداً" (تجنباً للتشائم كي لا يعودوالهذا المكان قريباً، بمعني يدفنون عزيزاً أو يكونون هم المحمولين إليها)

أوتر للأحياء وأشفع للأموات:

وكذلك عدد الزهور المشتراة أو التي توضع على المقبرة يجب أن يكون عدداً زوجياً (يقبل القسمة على اثنين) بينما تحرص كل الحرص عند تقديمكالزهور لشخص حي، حبيبة، زوجة، جارة، زميلة في العمل…الخ أن يكون عدد الزهور فردياً وبطول الطريق الذي سلكناه سيراً على الأقدام كانتالمقارنات تتري بين المقابر في العهد السوڤيتي حين كانت الدولة بيزبوچنيك Безбожник ملحدة ومعادية للدين، وكيف تحايل المتدينون على هذا فيشواهد القبور فقام المسلمون واليهود في المدن الكبرى بإخفاء أي رموز تظهر انتماءاتهم فتحايل البعض بوضع النجمة الحمراء أو برج الساعةبالكرملين في موسكو ليظهر ولاءاً للدولة والفكرة السوڤيتية أو الحزب الشيوعي حتى بعد تشييع جثمانه!

إلى أن زال هذا القهر فتفنن الجميع في وضع آيات القرآن الكريم المخفية في الصدور أو العبارات الدعائية للمتوفى بالرحمة أوالنجوم السداسية لأبناءالملة الموسوية كما تفنن النصارى في استخدام الصلبان مختلفة الأشكال (لدى الكنيسة الروسية الأرثوذكسية شكلان من الصلبان يميزانها) وبعضهاقد تكتب عليه عبارة ال INRI من اللاتينية والتي هي اختصار "التهمة الموجهة للمصلوب: بأنه كان ملكاً لليهود؛ Iesus Nazarenus Rex Iudaeorum" أو تجدهم قد استبدلوها بالحروف ИНЦИ، ففهمتها على الفور Иисус Назорей — Царь Иудейский (يسوع الناصري سار(ملك) يهودي)

وبينما نحن وقوف عند القبرين قمت بالتحية "السلام عليكم أهل الديار ‏من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكمالعافية" وقام كل منا بدعائه أوصلاته التي يؤمن أنها طريق خلاصه وكان معنا إمام تواجد في المكان من طاچيكستان اسمه عبد الله بعدما حياناطلب منه ابناها الصلاة والدعاء للفقيدة فقام بتلاوة ما تيسر من آيات الذكر الحكيم وبداية الدعاء للميت من السنة المطهرة بالعربية إلى أن استكملالدعاء بالفارسية (الطاچيكية) في ايقاع سريع لم أتعرف إلا لكلمات بسيطة منه إلا أننا جميعا كنّا نؤمن ورائه ثم تلوت سورة يٓسٓ على المدفون منالمسلمين ولأبي ولموتانا أجمعين ثم قام كلاهما بدعاء سراً بالروسية ورسم علامة الصلبان فاحترت أكثر هل هي صلوات موجهة لكل وفق دينه أم أنالشباب شرب الكثير من النسكافيه 3 in One, وقلت سبحان الله له في خلقه شئون وهو يفصل بينهم جميعاً وكلنا إليه راجعون!


49 views0 comments

Comentarios


10 resons2Travel
bottom of page